كتابة وتحقيق الدكتور لؤي الزعبي، أستاذ الهندسة الطبية الحيوية في جامعة ماونت يونيون في ولاية أوهايو الأمريكية
تقوم الشركات بإعتماد و إستخدام برامج وتقنيات التعرف على الوجه والتي تقوم أيضا بقياس درجة حرارة الزوار من خلال تقنيات التصوير الحراري فيما يمكن أن يصبح الوضع الطبيعي الجديد في عصرنا الحالي
مقدمة
درجة حرارة جسمك لم تعد تعتبر معلمة شخصية خاصة. هذا هو الموقف الذي تتخذه الشركات والمؤسسات في جميع أنحاء العالم أثناء تركيبها كاميرات التصوير والتشخيص حراري والتي غالبًا ما تكون مزودة بتقنيات التعرف على الوجه. تتخذ الشركات والمؤسسات هذه الإجراءات في مبانيها في محاولة منها للتعامل مع تداعيات جائحة فيروس كوفيد ١٩
في كل من المطارات، والمباني المكتبية، ومطاعم الوجبات السريعة، والمكاتب الحكومية، والمستشفيات، ومراكز التسوق، والجامعات، وكل أنواع الأماكن يتم الان إعتماد هذه التكنولوجيا والتقنيات الخاصة بها بسرعة. هذا التوجه أصبح الان يعد توجه شامل أطلق عليه وصف: أتمتة فحوصات درجات حرارة الجسم
الهدف هو رصد أي شخص مصاب بالحمى يحاول دخول مبنى المؤسسة أو الشركة و من ثم إبعاده. يقلل هذا الإجراء نظريا من إنتشار فيروس الكورونا (كوفيد ١٩) ويبث بعض من الطمأنينة و راحة البال لدى الأشخاص الموجودين في المبنى. أو على أقل تقدير، يوفر إستخدام هذه التقنيات نوع من الحماية القانونية للمؤسسات والشركات. حيث يمكن لهذه المؤسسات والشركات الإشارة إلى التقنيات المستخدمة حتى تثبت أنها إتخذت تدابير ملموسة لحماية موظفيها و مراجعيها و قاطني المباني من فيروس كوفيد ١٩
تقوم الكاميرات الحرارية برسم خريطة حرارية للجسم إعتمادا على تقنيات قياس توهج الأشعة تحت الحمراء. تستهدف الكاميرات عادةً بعض المواقع الرئيسية المحددة على وجه الشخص للحصول على أدق قراءة لدرجة حرارة الجسم. تشير درجة الحرارة التي تزيد عن مئة درجة فهرنهايت (ثمانية وثلاثون درجة مئوية) إلى وجود حمى، وهي أحد الأعراض الرئيسية للإصابة بفيروس كوفيد ١٩
تقوم العديد من الشركات والمؤسسات بإقران الكاميرات الحرارية و إستخدامها مع برنامج حاسوبي خاص بالتعرف على الوجه و التعرف على أدلة و محددات الموظفين الحيوية. يقوم الموظفون بتسجيل الوصول لمبنى الشركة أو المؤسسة بالوقوف أمام الكاميرا أو الكشك المخصص، و من ثم يحدد هذا النظام المزدوج والمكون من الكاميرا الحرارية و برنامج التعرف على الوجه شخصية الزائر للمبنى و درجة حرارته في نفس الوقت. يستغرق الأمر بضع ثوانٍ فقط بدون الحاجة لأي من أشكال التواصل أو التفاعل الجسدي
الشركات الهندسية المطورة
تستخدم هذه التكنولوجيا حاليا على نطاق واسع في الصين وكوريا الجنوبية ، ولكن العديد من الدول الأخرى في العالم بدأت بتبنيها أيضًا . شركة بوب-أي-دي واحدة من العديد من مقدمي تقنيات وحلول هذه الخدمة. قبل تفشي وباء كوفيد ١٩ ، كانت الشركة و التي تتخذ من ولاية كاليفورنيا الأمريكية مقراً لها، تتطور وتبيع أنظمة التعرف على الوجه و التي حلت محل البطاقات دخول المباني المغناطيسية و المفاتيح اللاسلكية الذكية الخاصة بدخول المباني والقاعات. منذ بدء جائحة الوباء العالمي، أضافت الشركة خيار إستخدام الكاميرات الحرارية إلى نظامها الخاص بالتعرف على الوجه والمميزات الحيوية، و بدأت بتسويق النظام الثنائي (التعرف على الوجه والمسح الحراري) على شكل كشك (كابينة) حيث يمكن للموظفين تسجيل وصولهم إلى مكان العمل
باعت شركة بوب-أي-دي حوالي ٦٠٠ من هذه الأجهزة في الولايات المتحدة لدور رعاية كبار السن، والمباني المكتبية، ومرافق التصنيع، ومطاعم الوجبات السريعة، بما في ذلك بعض مواقع مترو الأنفاق و سلسة مطاعم تاكو بيل الأمريكية، كما يقول ييل جولدبيرج، رئيس موظفيي شركة بوب-أي-دي. ويقول جولدبيرج: هناك شعور بالحاجة الملحة لتقنياتنا الآن. فالشركات والمؤسسات تريد العودة إلى العمل و تريد الحصول على تقنية ما يتم إستخدامها للحفاظ على سلامة موظفيها
يعتمد برنامج شركة بوب-أي-دي على خوارزميات خاصة لتحديد سمات دالة في الوجه لتحدد هوية الشخص ولتحدد منطقة الوجه المثلى لإجراء المسح الحراري لتحديد درجة حرارة الشخص. تشير بعض الدراسات والأبحاث إلى أن درجة حرارة الزاوية الداخلية للعين هي أفضل مؤشر لدرجة حرارة الجسم الداخلية. هناك يقيس نظام شركة بوب-أي-دي الثنائي درجة الحرارة بالإضافة لقياس حرارة جبهة الشخص. ويقول جولدبيرج أن دقة برمجية النظام في حدود نصف درجة فهرنهايت. هناك شركات أخرى تقدم أنظمة ثنائية مشابهة قادرة على التعرف على سمات الوجه و قادرة على مسح وتحديد درجات الحرارة، مثل لاماساتيك، و رمارك هولدنجز، و مريديان، والعديد من الشركات الأخرى
أما شركة كوجنيز التي تتخذ من كاليفورنيا مقراً لها، فقد نقلت هذا المفهوم خطوة أبعد. تقدم شركة كوجنيز نظامًا يقوم وبشكل متواصل بالتتبع والمسح الحراري لعدد كبير لا متناهي من الأشخاص في الوقت الحقيقي ضمن دائرة قطرها من ٦ إلى ١٦ قدم (من ٢ إلى ٥ أمتار). يقول دانييل بترمان، المؤسس والمدير التنفيذي المشارك لشركة كوجنيز، إن نظام الشركة يستخدم تقنيات الذكاء الصناعي وبالأخص تقنيات التعليم العميق للتمكن من تمييز الأشخاص، و لرسم خرائط سمات الوجه، وللتعرف على وجوه الأشخاص، وللتعرف على الأشياء المجسمة مثل الأقنعة. تقنيات الذكاء الصناعي المستخدمة يمكنها تحديد و تصحيح التأثيرات البيئية المحيطة على درجة حرارة البشرة، كما لو دخل شخص ما إلى مبنى دافئ في يوم شديد البرودة في الخارج، على حد قول دانييل بترمان
ويقول بتيرمان إن جهاز شركة كوجنيز دقيق في حدود العشر الواحد إلى ال ثلاثة بالعشرة من درجة الفهرنهايت. لقد ساعدت تقنيات الذكاء الاصطناعي في الحد من هامش الخطأ في قراءة درجات الحرارة من خلال قياس ومقارنة درجات حرارة جميع الأشخاص الموجودين في الغرفة الواحدة وتبنيها كمستويات حرارية أساس للمقارنة معها، و أيضا من خلال أخذ قراءات حرارية من أجزاء وأماكن مختلفة من وجوه الناس. ويقول بتيرمان إن النظام قد تم تركيبه في مئات المواقع، بما في ذلك مرافق معالجة وتصنيع الأغذية والمصانع والمستودعات ومراكز التوزيع والمستشفيات ومباني المكاتب وأماكن المناسبات والفعاليات الكبيرة
شركة ألتوروز، التي تتخذ من كاليفورنيا مقراً لها والتي تمتلك مكاتب إقليمية في أوروبا والأرجنتين، تقدم أيضا نظاماً يقوم بفحص وجود الحمى (ارتفاع درجة حرارة الجسم) لدى مجموعات كبيرة من الناس في وقت واحد و في نفس الوقت بالتعرف على سمات الوجه. يتم وضع الكاميرات في أماكن مرتفعة، في العادة بالقرب من سقف القاعة أو الغرفة، ويمكن لهذا النظام تتبع ومسح حتى ثلاثون شخصًا معا ضمن مسافة تصل إلى ثلاثة أمتار
تقنية الذكاء الاصطناعي المستخدمة في نظام شركة ألتوروز تمكن البرنامج الحاسوبي من تمييز وجوه الناس عن الأجسام الأخرى الدافئة الموجدودة في المحيط، مثل أكواب القهوة. كما يعتمد نظام شركة ألتوروز على تقنيات الذكاء الاصطناعي للعثور على النقاط المناسبة على الوجه للحصول على قياسات درجة الحرارة بمعدل دقة يصل إلى خمسة وتسعين في المائة وفقا للشركة المطورة للنظام. يمكن للنظام حتى أن يحدد هوية الأشخاص الذين يلبسون الأقنعة. ويقول أندريه يوركفيتش، رئيس قسم التكنولوجيا في شركة ألتوروز، إن قراءات درجات الحرارة دقيقة في حدود النصف درجة فهرنهايت.
ويقول يوركيفيتش أن من بين العملاء الذين يستخدمون تكنولوجيا شركة ألتوروز من مجموعة كبيرة من الفنادق والمكاتب ومرافق التصنيع و شركات خطوط الرحلات البحرية والمدارس، ويضيف بأن الشركة حققت مبيعات في الولايات المتحدة الأمريكية و في مختلف أنحاء العالم. ويقول: “إننا نعتبر نظامنا هذا أحد حلول للسلامة والأمان”. وقد ترى بعض الشركات أن هذا النوع الحلول التقنية يعتبر شكل من أشكال الضمانات القانونية. “إذا مرض شخص ما أثناء تواجده في العمل و قام بإتخاذ إجراءات قانونية مثل تقديم شكوى، فإن الشركة أو المؤسسة قادرة على إثبات أنها بذلت قصارى جهدها لحماية الموظفين والاشخاص” حسب أندريه يوركفيتش.
التحديات والسلبيات
ولكن من خلال إقران أنظمة المسح والقياس الحراري ببرامج التعرف على الوجه، فإن إدارات الشركات والمؤسسات، على نحو ما، تقوم بجمع معلومات وبيانات طبية للأشخاص. إن ما يفعلونه بهذه المعلومات يقع بالكامل ضمن نطاق سيطرتهم وحدهم. ويقوليوركيفيتش: إن هذا الأمر خارج نطاق سيطرتنا كشركة مطورة للنظام إلى حد كبير
أثارة حقيقة جمع المعلومات والبانات الطبية مخاوف الكثير من الناس، بما في ذلك علماء الأخلاقيات المهنية والطبية وجماعات الحريات المدنية. على سبيل المثال ، قال مسؤولون حكوميون في ولاية هاواي الأمريكية في العاشر من يونيو ٢٠٢٠ إن الولاية ستطبق أنظمة التعرف على الوجه وفحص درجة الحرارة الثنائية في مطارات الولاية. وردًا على ذلك ، رد الإتحاد الأمريكي للحريات المدنية في ولاية هاواي في رسالة إلى المسؤولين الحكوميين ، واصفًا الإجراءات بأنها غير فعالة ، وغير ضرورية ، و بأنها محفز لإساءة الإستخدام ، ومكلفة ، وربما غير دستورية ، وبإختصار: مخيفة
يجدر التنويه إلى أن الكاميرات الحرارية لها حدود فيما يتعلق بدقة قراءاتها، بما في ذلك تأثيرات درجة حرارة البيئة المحيطة، و رطوبة البشرة، و لبس النظارات، وعوامل مؤثرة أخرى عديدة. يعتبر الجزء الداخلي للعين هدف جيد لقياس درجة حرارة الجسم، ولكنه هدف صغير، ويمكن أن يؤثر تغيير زاوية القراءة على دقة قراءة درجة الحرارة. أوضح دليل إسترشادي نشر عام ٢٠١٤ من المركز الأمريكي للتحكم بالأمراض ومنع إنتشارها أن كاميرات المسح الحراري ليست دقيقة بقدر دقة أجهزة قياس الحرارة المتوفرة على شكل مسدس غير الملامس، وقد يكون إستخدامها أكثر صعوبة من ما هو متوقع
مع ذلك، فقد مهدت الوكالات الفدراليّة الأمريكيّة التي تشرف على إعتماد والسماح بإستخدام هذه التقنيات الطريق أمام أجهزة المسح الحراري في محاولة للإسراع في الإستجابة لوباء فيروس كورونا المستجد – كوفيد ١٩. وقالت إدارة مؤسسة الغذاء والدواء الأمريكيّة التي تشرف على الأجهزة الطّبّيّة والتشخيصية أنها ستسمح مؤقّتًا للشركات بتسويق الكاميرات الحراريّة التي لم يتم فحصها بشكل مكثف بعد. وتقول الإرشادات أنه يجب إستخدام طريقة ثانية للفحص أكثر موثوقية، مثل إستخدام أجهزة قياس الحرارة السريرية التقليدية، للتأكد من النتائج مرة ثانية عند الإشتباه بوجود الحمى لدى الشخص. ولكن المبادئ التوجيهية لا يتم فرض تنفيذها قانونياً.
ورغم أن القانون الفيدرالي يحظر على الشركات إرغام العمال على إجراء الفحوصات الطبية (والتي من ضمنها فحوصات درجات الحرارة)، فقد قامت لجنة تكافؤ فرص العمل في الولايات المتحدة في مارس/آذار ٢٠٢٠ بتعديل قواعدها، الأمر الذي سمح لأصحاب العمل بأخذ درجات حرارة العمال في أي وقت
وتشعر بعض المجموعات المدنية بالقلق بأن تصبح البنية التحتية التي يتم تطويرها وإنشائها للمراقبة والتي بنيت لمجابهة وباء فيروس كورونا المستجد دائمة. وقد ينتهي الأمر إلى إستخدام هذه الأجهزة ليس فقط ضمن نطاق الموظفين في الشركات التي تختار مثل هذه الأنظمة، بل وأيضاً في الأماكن العامة، وفي مثل هذه الحالات يصبح من الصعب حماية هذه البيانات من إساءة الاستخدام، حسب قول هذه المجموعات
نشرت مؤسسة الحدود الإلكترونية مؤخراً في إبريل/نيسان ٢٠٢٠ بياناً حول هذه المسألة، حيث تضمن البيان: “إنفاق المال لشراء وتركيب البنية التحتية الأساسية مثل ما يسمى كاميرات الكشف عن الـحُمَّى (الكشف عن ارتفاع درجة الحرارة) يزيد من إحتمالات بقاء إستخدام هذه الأجهزة والأنظمة لمدة تطول فائدتها أثناء أزمة الصحة العامة الناجمة عن إنتشار فيروس كورونا المستجد – كوفيد ١٩. وبوسع كاميرات المراقبة هذه في الأماكن العامة أن تعمل على التأثير على و حتى تجميد حرية التعبير والحركة و التجمع؛ وتعمل على المساعدة في المضايقات الموجهة والإفراط في التضييق على عمل السكان الضعفاء قليلي الحيلة؛ وفتح الباب لتقنيات وحلول تمييز سمات الوجوه في الوقت التذي تحاول المدن والدول حظر هذه التقنيات والحلول
ولكن ربما كانت الحجة الأكثر إقناعًا ضد إستخدام الكاميرات الحرارية هي أنها قد تكون غير فعالة. البحث عن وتحديد وجود الحمى فقط يساعد في التعرف جزء بسيط من الأشخاص المصابين بفيروس كورونا المستجد – كوفيد ١٩. لن تتعرف هذه الكاميرات على الأشخاص المصابين والذين هم بدون أعراض (أولئك الذين لديهم الفيروس ولكن ليس لديهم أعراض المرض) ولن تتعرف على الأشخاص فى مرحلة ما قبل ظهور الأعراض (أولئك الذين أصيبوا مؤخرًا لكن لم تظهر عليهم أعراض المرض بعد). أثار العلماء في المركز الأمريكي للسيطرة على الأمراض مؤخرًا أسئلة حول هذه التقنية ونجاعة إستخدامها، قائلين إن فحص الحمى في المطارات طريقة غير فعالة لمكافحة جائحة فايروس كوفيد ١٩
من جهتها، تقول الشركات التي تسوق تكنولوجيا وأنظمة الكاميرات الحرارية أنها توفر أداة يمكن إستخدامها مع تدابير أخرى للمساعدة في الحد من انتشار فيروس كوفيد ١٩. يقول جولدبيرج من شركة بوب-أي-دي: إننا نحاول جعل عملية قياس درجات الحرارة أوتوماتيكية، ما نقوم به ليس الحل الوحيد الذي يجعلنا نتجاوز هذا الجائحة، ولكننا نعتقد أنه خطوة كبيرة في الإتجاه الصحيح
المراجع
https://spectrum.ieee.org/the-human-os/biomedical/devices/entering-a-building-may-soon-involve-a-thermal-scan-and-facial-recognition
إفصاحات خاصة بالمقال
لا يوجد لكاتب المقال (الدكتور لؤي الزعبي) أي مصالح مالية مع الأشخاص المذكورين في المقال، ولا مصالح مالية مع أي من الشركات المذكورة. أيضا لم يتم تعويض كاتب المقال أو الدفع المالي له لقاء كتابة هذا المقال. هذا المقال جهد شخصي لكاتب المقال لنشر الوعي والمعرفة العلمية ولإثراء المحتوى العربي الهادف والمفيد على الإنترنت
إذا أعجبك محتوى المقال تريد أن ترى المزيد من هذه المقالات، لا تتردد في دعمنا. لدعم الموقع نرجو التواصل معنا اليوم من خلال زيارة صفحة إتصل بنا